الجرعة الأولى من المورفين

كان أول يوم لدى كصيدلى متدرب فى مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال, فى ممفيس تينيسى, ولم أكن أعرف أن القليل جدا من زملائى قد اختاروا ان يكونوا هنا إن لم يكن أيهم. فعلم الأورام كان مناوبة صعبة ليس بسبب ماتحتويه من تحديات رهيبة كمتخصص فالطب والصيدلة (يمكن القول أنها الأصعب على الإطلاق!) لكن كان أيضا ماتتطلبه من قوة تحمل. علم أورام الأطفال على وجه الخصوص هو الأكثر إرهاقا بدنيا ونفسيا لكل من الفريق الطبى والأطفال المرضى وأيضا عائلات الأطفال. كنا نعرف هذا, و كانت الجامعة تعرف ان صيدلى متدرب واحد وواحد فقط هو من سيصل إلى هنا (و قد كنت أنا) فأنا أردت حقا أن أكون هناك. كنت أريد أن أكون هناك على الرغم من أننى أم لطفل ذى ثلاث أعوام و كنت حاملا فى شهرى السابع فى طفلى الثانى: وليس فقط أننى طلب واخترت أن آتى إلى هنا لأساعد وأتعلم طب الأوام لكنى أيضا طلبت أن أكون هناك لمدة ثلاث نيابات (6 سابيع لكل واحدة). بدلا من نيابة واحدة. لقد فعلتها لقناعتى بأننى قد اصنع تغييرا ما يوما ما. فقد اردت أن اتعلم من الأفضل و اتحدى ذاتى لأفل مابوسعى آن ذاك ودائما. ومع ذلك فلم أكن مستعدة إطلاقا لما سوف أراه واتعمله هناك!

كنا فى أواخر شهر أكتوبر وكان الجو مطيرا ومكفهرا. كان المشفى يستعد لحفل الهالووين و كان فريق طابق الأورام الصلبة يخطط لتحويل محطتى التمريض إلى ” القطب الشمالى” و” القطب الجنوبى” و كنا جميها سنرتدى أزياء البطاريق لنحضر حفل الهالويين الأكثر تميزا من أى وقت مضى: كان موكب الاحتفال مكون من مرضانا ليزوروا القطب الشكالى والجنوبى. وبمجرد ما خطوت بمعطفى الأبيض أرض الطابق رأيت ظلا لطفلة فى الناحية الأخرى وعندما اقتربت الطفلة قدرت أنها بين الثانية والثالثة من عمرها كانت تركب دراجة ثلاثية ملونة تمسك بمقودها باليد اليسرى و تجر كيس الحقن الوريدى باليد الأخرى. ورأيت فى لمح البصر ألطف ابتسامة وأكبر عيون و حضور لاينسى لهذة الطفلة التى سارت نحوى لأننى كنت فى معطفى الأبيض, فقد كانت تثق فى أى شخص يرتدى المعطف الأبيض.وقالت لى: ” أعتقد اننى بحاجة إلى المورفين الخاص بى”

“”رأيت فى لمح البصر ألطف ابتسامة وأكبر عيون و حضور لاينسى لهذة الطفلة التى سارت نحوى لأننى كنت فى معطفى الأبيض, فقد كانت تثق فى أى شخص يرتدى المعطف الأبيض.وقالت لى: ” أعتقد اننى بحاجة إلى المورفين الخاص بى””

لحظتها انهار عالمى وتوسع وتبدل بينما أنا أفعل ماأخبرتنى. طلبت منها أن تأخذنى إلى غرفتها لأعرف من هى لأتمكن  من مساعدتها فى أقرب وقت. اخبرتها نكتة أميرات بينما نحن نمشى فى الممر. ولم تقل شيئا آخر غير حاجتها للمورفين مما دل على إحساسها بالألم. كنت قد احببت هذة الفتاة الصغيرة فى أقل من دقيقة. وبعد معرفة من هى و من هى ممرضتها الخاصة, كنت أنا و المورفين والممرضة فى غرفتها. وبعد أقل من دقيقة كانت تركب دراجتها مرة ثانية! بدا الأمر كله كأن والدتها تناديها لتنظف أنفها ثم تدعها للعب مجددا يا الله هل كل هذا حقيقى؟؟ نعم لقد كان كذلك! و كان كل شيئ يتضح بكل مايحمله من واقعية وألم.

ذهبت بعدها مباشرة لمحطة الممرضات حيث من المفترض أن اقضى الساعات القليلة المقبلة والتقطت ملف الطفلة. كانت على وشك أن تكون من المرضى الذين من المفترض أن أرعاهم بينما أنا هنا. كان نادرا مايحظى طابق الأورام بحفلات انتهاء العلاج الكيماوى. لكن منظمة تمنى أمنية كانت دائما ماتخطط لجعل الأطفال سعداء . كانت الطفلة فى مراحل المرض المتأخرة, ياإلهى إنها الطفلة الصغيرة التى قابلتها للتو !!! شعرت حينها أن العالم غريب و بارد وتذكرت مقولة واحدة من المدربين المفضلين لدى عندما اعترفت لى أنه بالنسبة لها و بصفتها صيدلانية فى قسم الأورام الصلبة ” إن مات الطفل بدون ألم, فهذا يعتبر انتصارا” . جلست الممرضة الثانية بجانبى لتشرب الشاى على المنضدة الكبيرة المحيطة. كان الفريق الطبى يجتمع كل صباح هنا لمناقشة كل حالة. كان الاجتماع قد انتهى اليوم لكن الطفلة الصغيرة كانت فى ذهن الجميع. فقد كانت امنيتها بسيطة للغاية, لكنها الاصعب بالنسبة لمنظمة تمنى أمنية. فقد ارادت حفلة لعيد ميلادها الثالث, كانت لتكمل عامها الثالث بعد أسبوعين من اليوم الذى كنا نتحدث عنه. لكن الوصول لهذا الموعد لم يكن مهمة سهلة على الجميع, فلم يكن من المتوق أن تعيش لتلك المدة!

فى الصباح التالى على الطاولة المستديرة لم يكن هناك بسمات. فقد شاهدت حوالى 20 شخصا من أكفأ وأمهر  الأطباء المدربين والقادرين الذين عرفتهم فى حياتى. كانو يجلسون فى صمت,عاجز بعيون ملئى بالدموع. ولم كن أحد منهم مستعدا أن تكون لا هى الإجابة! كان يجب أن نجد وسيلة للحفاظ على حياتها لأكثر من أسبوعين. كان يجب علينا ذلك!!! ولم يكن أحد منا ليتعايش مع نفسه إذا لم نفعل.

وغنى عن القول أننى قد استنفذت أكثر من نصف علبة المحارم الورقية الخاصة بى فقط لكى أكمل لكم القصة…

فى ذلك اليوم وفى الأسبوعين التاليين كنت قد تعلمت أنه لايمكن لشيئ أن يوقف تلك المجموعة من الأشخاص المخلصين. إن كان كل هؤلاء الأشخاص المناسبين ليجتمعوا كل يوم لهدف معين فلابد أن يصنعوا المستحيل! و هكذا مر الأسبوعان التاليان. عندما أتى يوم عيد الميلاد, كان الجميع يحتفل! كانت منظمة تمنى أمنية على وشك أن تأخذ أميرتنا الصغيرة فى رحلة تسوق. وبجانب والدتها وأشقائها فقد ذهبت معها الممرضة الخاصة بها للتأكد من أن كل شيئ يسير على مايرام بكل أمان وبدون حوادث. و مكثنا جميعا فى المشفى نكاد لانفكر فى شيئ آخر.  كان نصرا لم يرد أحد أن ينسب إليه, كان احتفالا بعيد ميلاد يحمل معه الكثير من السعادة والمشاعر المتضاربة التى بالكاد تحملناها. تنبهت إلى نفسى وأنا أشرب القهوة من كوبين وأكسر مشبك أقلام للمرة الثالثة بينما ألعب به وأنا أقرأ تفاعلات نفس الداوء للمرة العاشرة دون أية قدرة على فهم اى شيئ . ودخل المناوب الحجرة ثلاث مرات ليسألأ عن الشخص الوحيد الغير موجود فبها ثم جلس فى النهاية مع الجميع. كنا فى منتهى السعادة على الرغم من التوتر, كنا فى منتهى الإثارة لكن بعيدين كل البعد عن الراحة. فقد كانت أميرتنا تتم عامها الثالث اليوم لكنها كانت على وشك أن تنقل إلى مركز رعاية تلطيفية فى اليوم التالى. لم يبد هذا صحيحا. كنا نبدو كبطاريق حزينة مجتمعة فى القطب الشمالى ولم يكن أحد منا ليقبل بهذا.

عندما بلغ التوتر فى الغرفة ذروته وكان الصمت تاما, انفتح الباب و دخلت ممرضة أميرتنا الصغيرة وهى تبكى بحرقة. جلست تنوح لمدة قصيرة على الكرسى الفارغ الوحيد فى الغرفة. شق السكون صوت خفيض أتى من الجانب الآخر للغرفة مع كوب من الماء وبعذ المحارم الورقية يسألها ” ماذا حدث؟”  ” هل يمكنك أن تقولى لنا ماحدث؟ ” سألها الصوت مجددا. لم نكن نعلم من سأل لأننا لم ندر رؤوسنا, لكن كان لدينا جميعا نفس السؤال.

حكت لنا كيف ذهبوا إلى رحلة التسوق واشتروا الكثير من الأغراض , وكم كانت أميرتنا سعيدة ومتحمسة وكان الجميع سعيد لأجلها حتى وقعت عيناها على زوج من الأحذية الجميلة وأحبتها ولم يكن  لدى المتجر المقاس المناسب. ولم يكن هناك معنى من طلب زوج أخر ولا حتى لليوم التالى فاليوم التالى متأخر جدا.! و مع ذلك فقد كانو مستعدين لعمل الطلب على أية حال. لكن الأميرة أوقفتهم فقد كان لديها يقين أن هناك حل أفضل فقد قررت شراء الحذاء الموجود على الرغم من مقاسه الأكبر لأنها ستنمو ليناسبها يوما ما…

استمعنا لحكاية الممرضة وتملكنا الألم والحزن, اعتقدت أننى قد اذرف الدموع من عينى…. ولم يعد أى منا كالسابق بعد ذلك. فقد غرقنا فى صمت عميق حول الطاولة, حتى المحارم الورقية قد نفذت وكنا أتعس بطاريق فى العالم.

حتى المحارم الورقية قد نفذت وكنا أتعس بطاريق فى العالم.

فى ذلك اليوم, وعدت أميرتى الصغيرة ألا أتخلى أبدا عن محاولاتى لإيقاف هذا المرض بكل ماأملك وحتى أموت. أنا أعرف انها أصبحت ملاكا الآن وأنها تحرسنى أيضا…

يمكنكم إيجاد جميع منشوراتى هنا 

© Copyrighted – All rights reserved to Dr. Alice C. Ceacareanu

Published by

Dr. Alice

I teach people how drugs work, when they are needed, and why. My expertise as a pharmacist and researcher allows me to determine whether taking or not taking a drug will pose any risk given all current circumstances that apply at this moment. Many times we don't know unless we try, but other many times walking the extra mile pays off giving in return more wonderful moments and more to give to others.

One thought on “الجرعة الأولى من المورفين

  1. يالله من اصعب ما قرأت .. الله يديك القوة أنا بس قريت الموضوع قمت حضنت ولدي ما قدرت فما بالك بوظيفة ودوام كامل مع هذولي الملائكة ♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

Let me know your thoughts or questions!

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.